"هخليك تختار العروسة اللي تعجبك وتتجوزها من غير ما تدفع جنيه واحد"
كلام سمعته من واحد افتكرت انه مخبول, أو مجنون, مانت مش هتقابل واحد على الطريق السريع بالليل واقف مبتسم إلا لو كان مخبول, ولما يقولك تعالى اجبلك عروسة من الجبل يبقا فعلا مخبول, بس للأسف الموضوع طلع أكبر بكتير من فكرة واحد مخبول, أكبر بكتيرررر..
صفحة الكاتب على فيس بوك: أحمد محمود شرقاوي
.......................
انا اسمي سالم, عندي 33 سنة, مطلق من تلت سنين بعد خناقة كبيرة مع نسايبي وصلت للضرب وقربت كمان من الموت, سامحوني على المقدمة التقليدية بس انا مبعرفش أحكي أو ارتب كلامي, راجل بسيط بيشتغل على عربية نقل تبع شركة مقاولات كبيرة, وكل شغلي على الطريق الدولي رايح جاي بنقل معدات ومواد للمشاريع على العربية, وطبعا بسوق لأوقات بتوصل ل14 ساعة ويمكن اكتر, حياتي كلها بقت تقريبا على الطرق الجبلية, صاحبت الجبل والصحرا والطريق, حتى نومي كنت بركن بالعربية في أي مكان وامدد في العربية كام ساعة, تقدر تقول ان بقالي عشر سنين بشتغل الشغلانة دي لدرجة اني خلاص مبقتش أقدر أعيش غير وسط الطرق والصمت وازعاج قنوات الراديو..
كنت لسة مخلص نقلة عمدان حديد لمشروع في أسوان ويادوب لسة راجع القاهرة معايا 24 ساعة راحة قبل ما ارجع للشركة أحمل نقلة جديدة, رجعت شقتي طلعت أكل من التلاجة كلته بارد من التعب واترميت على السرير, مهو النوم في العربية مش زي سرير البيت, مش عارف ليه افتكرت مراتي في الوقت ده, تخيلت لو كانت لسة موجودة, كان زماني لاقيت أكل كويس ونومة كويسة وكلمتين حلوين واستقبال يهون عليا ضغط الحياة, بس للأسف كانت قليلة الأصل والأدب, ياريتني اقدر اتخطى الحاجز ده واروح اتجوز واحدة تانية بنت حلال, تستحمل بعدي عنها وتكمل معايا الكام سنة اللي هعيشهم بدل مانا لوحدي كدا..
ومسافة ما نمت شوفت نفسي في مكان كله ضلمة, كأني جوة قبر مظلم, وشوفت بنت ظهرت مرة واحدة من وسط الضلمة, كان شكلها غريب اوي, وشها شاحب وملامحها رفيعة اوي, وعنيها كانت سودة وبتلمع زي عيون القطط, شوفتها بتمد ايديها ناحيتي وبتبتسم, ومسافة ما مسكت ايديها مسكت في ايدي بقوة غريبة, صرخت من الألم والصدمة, كانت بتعصر ايدي بقوة غريبة, وكانت مبتسمة, مبتسمة ابتسامة كشفت عن أسنان فضية ضخمة, وبعدها بدأت تضحك بصوت عالي, تضحك وصوتها يزيد ويزيد لحد ما اتنفضت من نومي وصحيت..
كنت عرقان, قلبي بيدق, وجسمي بيترعش, صحيت من نومي وشربت لأني كنت عطشان وريقي ناشف, وعدى اليوم عادي جدا لحد ما لبست عشان اطلع على الشركة أجيب النقلة الجديدة, وبالفعل على الساعة 10 بالليل كنت في الشركة بحمل مشتملات ومعدات كهربا لمشروع في الأقصر, حملت النقلة وطلعت من الشركة, وقفت قدام محل جبت عصاير ومية وأكل خفيف وكيس قهوة لأني أوقات بقف على الطريق أعمل قهوة بالسبرتاية بتاعتي..
وتوكلت على الله، شغلت محطة اذاعة القرآن الكريم زي مانا متعود في اول كل سفرية وانطلقت على الطريق، وبعد تلت ساعات كنت على الطريق الغربي، وبالأخص سايق على الحارة الخاصة بعربيات النقل..
وقتها بيراودك احساس انك لوحدك في العالم، ماشي في طريق مهجور، وكل اللي حولين نور كشافات العربية ظلام وكائنات مخيفة، مُرعبة، كنت بخاف اوي من الأحساس ده في البداية، بس مع الوقت بقيت بستمتع بيه..
ووسط شرودي وتفكيري اتنفضت على خبطة في جمب العربية، كأني خبطت جسم تقيل بالعربية، دوست فرامل بكل قوتي واتماسكت لأقصى درجة لأن العربية كانت هتتقلب مني، وبعد ما زحفت يجي كيلو كامل يادوب وقفت بعد ما طلعت صوت مخيف بسبب الاحتكاك..
وقفت اخود نفسي بصعوبة وانا ببص في مرايات العربية، مش شايف غير ضلمة، فكرة اني ممكن اكون قتلت حيوان بيعدي الطريق مخيفة اوي، يارب انت عارف اني مقصدش، حاولت اكمل طريقي بس مقدرتش من تأنيب الضمير، مانا لو قتلت حيوان لازم على الأقل ارجع ادفنه، يارب ارحمنا برحمتك..
دورت العربية ورجعت لورا ببطئ نسبي لحد ما فوجئت براجل واقف وماسك راسه على جانب الطريق، بصتله بخوف وقلتله:
حارل يتكلم مقدرش، كنت خايف أنزل من العربية تكون عصابة يقتلوني وياخدوا العربية، خاصة اني ازاي خبطته بالعربية وهو واقف عادي كدا، المفروض كان اتكسر حتت، استعنت بالله ونزلت..
كان راجل في الستينات تقريبا، عرضت عليه المساعدة ولقيته ركب معايا العربية بدون أي كلمة، فتحتله ازازة مية شرب منها وبدأ أخيرا يتكلم:
- انا شغال في مصنع المواسير اللي هنا في الجبل والمفروض ورديتي لحد الصبح، بس حصلت ظروف في البيت خلتني أقف ع الطريق استنا أي عربية تاخدني
فكرت باستغراب، مصنع ايه اللي في مكان زي ده، وبعدين مجنون مين هيقف في طريق صحراوي زي ده، تجاهلت تفكيري وقولتله:
- انت ساكن فين
- القرية اللي عند الكيلو ٧٠٢
استغربت اكتر، أنا على الطريق ده من ١٠ سنين، عمري ما سمعت عن قرية في المكان ده، حمدت ربنا انه مماتش من الخبطة ولو اني لسة متعجب من ازاي خبطة عربية نقل وتعمل الصوت ده وميحصلوش حاجة غير كدمة
اتكلمنا شوية انا وهو ونوعا ما بدأت أحس بالأمان معاه، لحد ما سالني لو كنت متجوز وقولتله اني منفصل، بدأ ينصحني اني اتجوز تاني ومسبش نفسي أعيش لوحدي كدا، بصتله بهدوء وقولتله:
- وانا معايا ايه اتجوز بيه، الجوازة الاولى خدت كل ما أملك
- مش عندك شقة
- ايوة
- خلاص عروستك عندي، أهلها مش هيطلبوا منك جنيه، كل المطلوب منك تسكنها وتأكلها
ضحكت من كلامه وقولتله:
- هي الخبطة أثرت عليك ولا ايه يا حاج
- ابدا، ولو حابب تشوفها دلوقتي او تختار بين ٢٠ عروسة انا هوديك تختار
كلامه كان كوميدي، بس لمس حاجة جوايا، وان كنت خوفت اكتر ليكون كمين ساذج وانا وقعت فيه، اروح معاه اتثبت وتتاخد مني العربية، لقيته كأنه قرأ أفكاري وقال:
- انا مستعد استناك توصل عربيتك لمكان أمان وترجعلي، عشان لو خايف مني، عامة دخلة القرية أهي قدامك، شوف اللي تحبه، وبعدين انت هتيجي بس تشوف ولو مفيش واحدة عجبتك هتمشي
- ياعم انت بتتكلم جد
- طبعا بتكلم جد
- طيب هنروح للناس بالليل كدا
- لا متقلقش دول مبيناموش، والعروسة هتروح معاك بلا رجعة الا لو انت رجعتها بنفسك
معرفش انا ازاي اتجننت كدا بس لقيت نفسي بدخل يمين مع دخلة القرية، قولت في نفسي اني لو حصلي حاجة ابقا استاهل لأني صدقت واحد مجنون زي ده..
كملت بالعربية لحد ما فوجئت بقرية قديمة جدا، البيوت كلها متغطية بالتراب ومتهالكة جدا، كأنك بتشوف قرية ثمود اللي نزل عليها العذاب، حسيت برهبة شديدة وخوف غريب بيدخل في قلبي، لحد ما لقيته بيشاور قدام بيت من البيوت وبيقول:
- هو ده
وقفت العربية وانا متردد جدا انزل ولا لا، لقيته ابتسم وقالي:
- متخافش وتعالى
ركنت العربية ونزلت وسط ظلام الليل، خبطنا على باب البيت الخشبي، ولقيته بينادي ويقول:
- افتحي يا غدير أنا المسعود
استغربت اكتر من كلامه، لحظات واتفتح الباب، وظهرت ست لابسة اسود بالكامل مش ظاهرة غير عينيها اللي كانت نظراتها حادة ومخيفة، اتكلمت بهدوء وقالت:
- مرحب بيك وبضيفك، خاطب ولا متضايف
رد عليها وقال:
- عايز يخطب بنت من بناتك
- اول ما توافق تتزوج فورا
لقيته قالي قول "ماشي"
رددت بخوف "ماشي"
فتحتلنا الباب ودخلنا، مكان كله مُظلم تماما، مفيش فيه شعاع نور واحد، شوية وظهرت اضاءة حمرة من مكان مجهول، ولقيت تلت كنبات خشب قاعد عليهم حوالي عشر بنات..
قاعدين زي التماثيل، كلهم لابسين روب احمر دموي مغطي جسمهم كله ما عدا وشهم، وكانوا كلها بيبصولي في صمت وثبات، لقيت غدير بتتكلم وتقول:
- اختار عروستك
وقتها شعور الرهبة زاد جوايا اوي، وجالي ايحاء اني لو رفضت ومشيت بعد ما فتحولي ودخلوني بيتهم هتقتل، ايحاء غريب بقيت متأكد منه جوايا، قربت من البنات وتأملتهم، كان فيهم لمحة من الجمال، كل واحد بتتميز بحاجة، بس اللي صدمني لما لمحت البنت اللي شوفتها في الحلم..
كان وشها شاحب زي ما شوفتها، بس عنيها كانت عادية، حسيت بنداء خفي كأنها بتقولي "اختارني"
وبدون ارادة مني شاورت عليها، اتكلمت غدير وقتها وقالت:
- مبارك، كل المطلوب منك تمضي عهد بالدم، ممنوع تطردها أو تغلط في حقها أو تجبرها على حاجة وإلا العقد لاغي، ولو حبيت الفراق ترجعها لهنا تاني
رديت بصوت مليان بالرهبة:
- حاضررر
طلعت ورقة قديمة عاملة زي جلد الحيوان وطلبت مني أمد ليها صباعي، وقامت شكاني بإبرة طويلة ونقطت نقطتين دم على الورقة، وبعدها ابتسمت وقالت:
- مبروك عليك دميانة
رددت الإسم على لساني وبعدها خدتها وركبت معايا العربية وانطلقنا، معرفش انا عملت كل الجنان ده ازاي، بس أهو حصل وخلاص..
عزمت عليها بعصير ومية رفضت في صمت، كل اللي كانت بتعمله انها بتراقب الطريق في سكون تام، حاولت اتكلم معاها منطقتش، ساعات طويلة لحد ما وصلنا للشقة بتاعتي، طلعت معايا في صمت، وعلى السلم قابلني زميل ليا كان له عندي دين وانا وعدته هجمعه في أقرب وقت، كان غضبان جدا وقالي بلهجة حادة:
- انا مش هستحملك كتير بكرة لو مجبتش الفلوس هطلع عليك سمعة مش حلوة وهاخدهم منك بالعافية
بصتله بصة حزن شديدة وكملت على السلم، كنت محرج اوي من عروستي، أول يوم تيجي تلاقيني مديون، وقبل ما اطلع درجة كمان سمعت صوت خبطة عنيفة..
جريت على تحت لقيت زميلي ده واقع في الأرض ودراعه مكسور، وكان بيئن من الوجع، وقتها لمحت دميانة على أول السلم بتراقبنا وهي مبتسمة، طلبت منها تطلع واتصلت بأهله ووصلناه المستشفى، وبعد ساعة رجعت شقتي..
كانت قاعدة في الصالة ساكتة تماما، وبدون مقدمات قالت:
- مش هيطالبك بالفلوس قبل تلت شهور على الأقل، لأنه هيركب شرايح ومسامير في دراعه
بصتلها بخوف وقلت:
- وانتي عرفتي منين
- مهو انا السبب
قالتها بصوت رفيع مخيف ودخلت اوضة النوم، كنت حرفيا بنام على نفسي، دخلت جمبها على السرير ووقعت من طولي، معرفش فضلت في الغيبوبة دي اد ايه، بس فجأة حسيت بأنفاس ملتهبة بتحرق في وشي، صحيت من نومي لقيت عيون بيضا زي التلج بتبرق فيا، كأن صاحبها حاطط وشه عند خدي بالظبط..
صرخت صرخة مرعبة وجريت فتحت النور، كانت دميانة، كانت زي التمثال المخيف، زعقت فيها لقيتها بصتلي بغضب وسكتت تماما، ومن يومها بدأت الأمور تاخد منحنى مخيف، بداية من لما شوفت جسمها، كان كله مليان عروق زرقا مخيفة، شكله كان بشع بكل المقاييس، لدرجة اني ملمستهاش اطلاقا..
افعالها بقت مُرعبة، اصحا من نومي الاقيها مبرقة فيا، مبتاكلش ولا تشرب، بتقعد في الحمام بالساعات تهمهم بكلام غريب، حتى اني مرة فتحت الدولاب لقيتها جوة، أنا شعري حرفيا بقا بيتحول للون الابيض من كتر الرعب اللي بقيت عايش فيه.. بقلم الكاتب: أحمد محمود شرقاوي
لحد ما جت الليلة الاسوأ في حياتي، صحيت من نومي لقيتها واقفة قدام المراية وفاتحة بقها على الآخر، زعقت فيها انها تبطل الجنان ده مردتش عليا، انفعلت فيها وقومت حادفها بالمنبه بتاعي، جه في راسها بقوة..
اتألمت وزمجرت زي الحيوان، قومت بخوف اطمن عليها لقيتها مسكت ايدي بقوة، كانت بتعصرها عصر، وانا كنت بتألم بقوة، بتوجع، في اللحظة دي شوفتها، نسخة من البنت اللي شوفتها في الحلم، وش شاحب وسنان فضية وعيون مخيفة، وقتها اتكلمت بصوت عامل زي الفحيح وقالت:
- مش انت مضيت انك ممنوع تغلط في حقي
نازعت عشان ارد وقولت:
- سيبي ايدي
لقيتها سابتني ومشيت، اتكلمت بانفعال وقلت:
- انا مش هكمل معاكي، تعالي ارجعك من مكان ما جبتك زي ما قالت غدير
لقيتها ضحكة ضحكة مخيفة وقالت:
- بس انت أذتني والعقد بقا لاغي وبقيت خلاص ملكي
- انتي مين أصلا عشان تقولي اني ملكك
لحظتها بس اتحولت عينيها للون الابيض وابتسمت. قالت:
- انا دميانة من الجن الأحمر
ووقعت من طولي في لحظتها..
بقلم: أحمد محمود شرقاوي
...........
سالم حاليا عايش في مصحة أمراض نفسية، عايش زي الميت، حكى الحكاية دي لكل حد شافه، بل. بيقسم ان دميانة عايشة معاه في المصحة ومش عايزة تسيبه، وقال ان غدير والمسعود زعماء قبيلة من الجن وبيصطادوا السواقين عشان يجوزوهم من بنات الجن، عشان يسيطروا على البشر، وان القبيلة دي بتتكاثر حولينا وبيكتروا يوم بعد يوم، وانك لازم في يوم هتقابل المسعود، وهيجي اليوم اللي هتتجوز فيه من الجن، رغم ان كلامه فيه جزء كبير مش منطقي وهو انه استحملها كل الايام دي رغم غرابتها، بس يمكن كان مجبر والله أعلم..
وكمل في مذكراته وقال، ان اكبر سبب للجحيم اللي هو فيه هو اختياره غلط من البداية، بيقول انه اتجوز عشان زوجته كانت جميلة، مبصش لدينها ولا لأخلاقها، والنهاية كانت انفصال وخدت منه كل حاجة، وده كان السبب الرئيسي انه يروح يجري ورا أي واحدة، حتى لو كانت من الجن، وبيقول انه ندمان اوي، لأن أمه من كام سنة عرضت عليه واحدة متدينة قبل زوجته وهو اللي رفضها وقال نصا "وانا هتجوز واحدة تفضل تذكر ربنا ليل نهار وخلاص" بيقول ان ده ذنبها وانه يستحق اللي حصله، لأنه لم يظفر بذات الدين من البداية..
البعض قال مريض نفسي بسبب اللي حصل فيه من طليقته وأهلها، والبعض قال ان كل ده حقيقي وبيحصل حولينا..
"مذكرات سالم الديب"
بقلم: أحمد محمود شرقاوي
...........
متنساش تعمل فولو وشاهد أولا لصفحتي عشان يوصلك كل جديد من قصص ومقالات..
ومتنساش تعمل لاف، وتعليق برأيك، وشير جميل، ومنشن لصديق يتابع معانا الحلقة..
#أحمد_محمود_شرقاوي
تعليقات
إرسال تعليق